المكسب الحقيقى الذى حققته انتفاضة 25 يناير هو كسر حاجز الخوف، حتى مع استغلال هذا فى التعبير عن مطالب جماهيرية أو قضايا فئوية أو وقفات احتجاجية قد تجاوز التعبير فيها عن الرأى إلى إحداث حالات فوضى تعطل الإنتاج وتغيب الاستقرار وتسقط القانون، ولكن المنتظر الآن وفورا هو الحفاظ على حق التعبير بكل الوسائل القانونية والسلمية، فلا تراجع ولا استسلام أمام من يريد تكميم الأفواه وحصار حرية الرأى وتحجيم المعارضة، فهذه مكاسب يناير التى لن تضيع نتيجة لأى استبداد أو استحواذ آخر، ولكن لن يكون أحد مع الإساءة والتشهير والادعاء الكاذب والرأى لا يواجه إلا بالرأى الآخر والفكر لا يدحض بغير فكر مغاير، أما السيطرة على وسائل الإعلام بهدف حشدها للتطبيل والتهليل للحاكم أو إغلاق الصحف والقنوات الفضائية بالأمر الإدارى وبغير أحكام القضاء أو الاعتداء الجسدى والبدنى واللفظى على من يعارض النظام أو ينتقد الرئيس، فهذا لن يكون، فلا رجعة لإعادة إنتاج نظام مبارك واستبداد الحزب الوطنى مرة أخرى، فالقطار قد تحرك من الرصيف.. وعلى ذلك وبالرغم من تحفظاتنا على الداعين إلى مظاهرة يوم 24 أغسطس القادم، ورفضنا للأهداف التى صاحبت الدعوة، سواء كانت حقيقية أو مدسوسة على الدعاة مثل إحراق مقرات جماعة الإخوان، أو إسقاط مرسى، فهذا عبث لا علاقة له بالممارسة السياسية، ولا صلة له بالمفاهيم الديمقراطية، فالتظاهر هو حق قانونى، والعمل السياسى له أهدافه وآلياته ونتائجه التى تتسق مع الإمكانيات التى تملك التعامل مع الواقع لتغييره، فهذا جعلنا لا نطلق على كل ممارسة سياسية ثورة ثانية ونتخيل ونعلن نتائج تتجاوز القدرة وتفوق الإمكانيات، فالثورة فعل جماهيرى تراكمى له أهدافه ويملك تنفيذ هذه الأهداف من خلال تنظيم يسانده الجماهير، ومع ذلك فمن حق من يريد التظاهر يوم الجمعة القادم بالطرق السلمية - التى تعد مما يريد المتظاهرون - أن يتظاهر وعلى الأمن أن يحمى هذه المظاهرات، وبالتالى فنحن ضد تلك الفتاوى المتطرفة التى تحل دماء المتظاهرين، فهذا تجاوز فاق الحدود ويمهد لقادم لا يبشر بخير ويؤكد أن الديمقراطية هى مطية للوصول للحكم ستستعمل لمرة واحدة ولا عزاء لمبدأ تداول السلطة، فلتكن هناك مظاهرة ضد الإخوان كتنظيم غير قانونى لابد من توفيق أوضاعه، فلتكن هناك مظاهرات تعبر عن مطالب جماهيرية لها حق التعبير، فلتكن هناك انتقادات للرئيس فهذا حق للجماهير وواجب لابد أن يؤمن به الرئيس، فالتظاهر السلمى الذى لا يخرج عن القانون هو نوع من ممارسة العمل السياسى الذى يجب أن يمارسه كل المصريين وفى كل الاتجاهات والتوجهات السياسية وعلى أرضية وطنية بعيدا عن الممارسة الدينية والطائفية، ولذا فنحن نرفض تماما تلك الدعوة التى قام بها أبوحامد عند ذهابه إلى الكنائس يدعو فيها الأقباط للخروج معه فى مظاهرة 24 أغسطس بصفتهم الدينية كمسيحيين، ولا نعلم هنا ما المفهوم السياسى لتلك الدعوة؟ وما النتائج لدعوة الأقباط ليخرجوا بصفتهم الدينية فى مظاهرات ضد جماعة الإخوان المسلمين، بل ضد التيار الإسلامى بمجمله حسب التصريحات الرافضة للمظاهرات من جهة التيار الإسلامى؟ هل يريد أبوحامد أن تكون مظاهرة أو مذبحة بين التيار الإسلامى وبين الأقباط؟ ما هذا الجهل وما تلك الانتهازية؟ العمل السياسى هو الذى يعتمد على مبادئ المواطنة التى تتعامل مع المواطن فقط، أما انتهاز المواقف واستغلال القضايا على رأسها القضايا الطائفية فهذا حرق للوطن، ولذا فلتكن تظاهرة مصرية لمصريين يعبرون عن موقف ورؤية سياسية وليست طائفية، فبهذا يمكن أن تكون المظاهرة رسالة سياسية لا يضيع محتواها ولا تسقط أهدافها وهذا لصالح الحاكم والمعارضة والوطن.